عبد الله السعيد.. الانطوائي والطيب والطموح

الفجر الرياضي

عبد الله السعيد
عبد الله السعيد




1985 موسم ساخن، الأهلي والزمالك والإسماعيلي يتنافسان بقوة على بطولة الدوري العام، فرق النقاط ليس كبيرًا، ومن يقتنص لقب الهدّاف سيكون صاحب حظوة كبيرة لدى الجماهير، ينتهي الموسم بإرضاء الجميع، الأهلي فائزًا والزمالك وصيفًا والهدّاف محمد حازم من الإسماعيلي.


محمود سعيد ابن محافظة الاسماعيلية والذي يسكن أمام استاد نادي الإسماعيلي مباشرة لم يكن ليحتاج للصحف لمعرفة آخر التطورات، أمامه يحدث كل شيء لكنه في هذا العام كان قلق قليلًا خاصة في طقس يوليو الحار، لكن في النهاية وفي الثالث عشر من هذا الشهر يطمئن قلبه، فقد وضعت زوجته ولدًا سمّاه "عبدالله" وبعد أكثر من ثلاثة عقود سيصبح هذا الطفل "عبدالله السعيد" أحد نجوم كرة القدم المصرية فهو خليفة "أبوتريكة" عند جماهير الأحمر أو "الدون" عند آخرون وهو لقب أسباني يعني "القائد أو السيد".


لن نتعجّل القصة التي بدأت مبكرًا، وبقلب مستريح يمكن القول أن كرة القدم لم تكن خيارًا بل قدرًا ولم تمنح "السعيد" فرصة الاختيار، فحين أطل من شرفته صغيرًا لأول مرة لم يرى سوى ملعب كرة قدم، يتابع بعينيه اللاعبين، يراهم خارج المستطيل الأخضر، يكتشف أن هناك جمهور يأتي إلى الاستاد ويرى كيف تُحمل اللاعبين على الأكتاف وقت النصر ويهربون من الأبواب الخلفية وقت الهزيمة وأن المشجع الذي يهتف بحياتهم هو نفسه الذي قد يلقيهم بالطوب، إنه جنون كرة القدم.


يخرج الطفل من بيته فلا يصادف سوى كرة القدم، يجلس في صفوف التلاميذ فلا حديث لهم سوى "الدراويش" وطريقة اللعب البرازيلية وتألق عائلة "أبوجريشة"، لكنه لم يتحمل كل ذلك فمجرد أن بلغ الست سنوات فقط وبالكاد يستطيع أن يركض تقدم لاختبارات الناشئين بالإسماعيلي في 1991 وبعد أربع سنوات فقط وحين تأكد مدربيه أنه موهوب التحق بمدرسة الموهوبين بالنادي 1995 ثم يبدأ المشاركة في اللعب 1998 وقتها لم يكن يبلغ عبد الله السعيد سوى 13 عاما.


في بلد مركزي وبدون ثورة اتصالات لم يكن الحديث عن ناشيء خارج القاهرة بالأمر السهل حتى لو كان الناشيء في بلد يتنفس كرة القدم، لكن عبد الله السعيد استطاع لفت الانتباه بمجرد لمسه للكرة وحين أجاد في البداية بمركز المهاجم الصريح وصانع الألعاب ليُنشر عنه في مجلة الأهرام الرياضي  1998 أن هذا اللاعب سيكون نجم الكرة في المستقبل القريب.


لم يغتر "السعيد" بذلك كثيرًا، فالفتى الذي ينتمي لبرج السرطان ويُدرك جيدًا أن العطاء وثيقة عبور للمجد لم يلتفت سوى للعب فقط، يسجل باليمين وباليسار ويجيد التمرير وصنع الأهداف ويختار قميص رقم 9 ويلعب بطريقة برازيلية تعتمد على المساحات الضيقة.


7 سنوات قضاها "السعيد" هكذا، شارك مع منتخب الشباب في كأس العالم وكانت له بصمته مما دفع الكابتن حسن شحاته لضمه لصفوف منتخب مصر بعين مدُرب قدير، لكن الأهم حين عاد "الدون" إلى ناديه ليتم تصعيده للفريق الأول".


هل تحقق الحلم، لم يكن بين بيته والاستاد سوى أمتار قليلًا لكنها احتاجت كثيرًا من الجهد كي يصبح في الفريق الأول تحت قيادة المدرب الهولندي "فوتا" في موسم 2006/2007 وليقل عنه "شاهدت أمامي فتي انطوائيا ولديه إمكانيات فنية رائعة ومهارات في التمرير والركلات الحرة، طموحا لكنه صغير يحتاج إلى النضج".


"فوتا" كشف أن نادي "بي إس إيندهوفن" في هولندا سألوا عنه وأخبرتهم أنه مستعد للعب في أوروبا وهولندا لكنهم اختاروا لاعبًا من أمريكا الجنوبية لسوء الحظ".


لكن "السعيد" الذي يملك قدرة الإقناع لمن حوله بحسب مواصفات برج السرطان لم يتوقف عند هذا العرض وربما لم يعلم عنه شيئًا، لكنه نضج حين استطاع تطوير نفسه فباتت تمريراته دقيقة ومؤثرة وتسديداته قوية وقدرته على المراوغة والضربات الثابتة هي عنوان، وقتها لم يكن يطلق على فريق الإسماعيلي سوى فريق "عبد الله السعيد وعبد الله الشحات" نظرًا لتألق الثنائي مع الدراويش ومنتخب الشباب".


14 سبتمبر 2011، تاريخ لم يكن عاديًا في مسيرة عبد الله السعيد الذي أكمل 26 عامًا حتى هذا الوقت، في نادي واحد هو الإسماعيلي، بات جزء منه ومحبوب جماهيره، هو أيضًا لا يداري هذا العشق لكنه الاحتراف وكرة القدم، العرض القادم من النادي الأهلي لا يمكن رفضه، يفكر كثيرًا، زملاء غيره زاملوه في الإسماعيلي وتربوا فيه ثم انتقلوا للأحمر ولمعوا، لا يُنكر أن الأهلي يعني العالمية والخروج من المنافسة على بطولة الدوري العام أو الكأس إلى المنافسة لدروي أبطال إفريقيا وبطولة العالم للأندية، رأى محمد بركات وأحمد فتحي وإسلام الشاطر سبقوه إلى هذا الطريق، أيضًا للعمر كلمة فـ26 عامًا يعني أن كرة القدم لن تمنحك الكثير وعليك استغلال وقتك جيدًا كلاعب محترف.


يحسم أمره وينتقل للنادي الأهلي بعد أن رفض عروض أخرى من الزمالك والمصري، اللاعب الهاديء حد الخجل يُحدث ضجة بانتقاله للأهلي، جماهير الدراويش لا ترحم، فنال منهم السباب حتى ذهبوا لمنزله وحطموا الواجهة الخارجية لشقته أثناء تواجد زوجته الحامل بالمنزل التي دعمته في قراره للانتقال، لكن هذا لم يجعله يتراجع وفي أول مباراة جمعت الفريقين استطاع تسجيل هدف في مرمى فريقه السابق.


لكن بعيدًا عن هذا الهجوم فعلى الناحية الأخرى استقبلته الجماهير الأهلاوية بكل ترحاب، وفي الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن "الماجيكو" محمد أبوتريكة لن يكون أمامه الكثير من السنوات، أملوا خيرًا في السعيد ليكون خليفته في الملاعب.


7 سنوات قضاهم "السعيد" داخل القلعة الحمراء، حقق فيه حلمه بحصد أكبر عدد من الألقاب الممكنة، بطولتين دوري ممتاز وبطولتين دوري أبطال إفريقيا وأفضل لاعب في موسم 2016-2017،  وتوّج في قلوب الأحمر وأصبح لاعب أساسي في منتحب مصر الذي أنضم له في 2010  وشارك في كأس العالم 2018.

 
السيناريو يتكرر،  في 2018 يتلقى عبد الله السعيد عرض مغري من الزمالك فيوافق خاصة بعد أن أبلغته إدارة الكرة في الأهلي أن النادي لا يستطيع دفع ما عرضه عليه الزمالك ووجهت له رسالة مباشرة "شوف مصلحتك، وما لم يعرفه "السعيد" وقتها أن إدارة الأهلي التي تُعلي قيمة "النظام" فوق محبة اللاعب لا تشبه إدارة "الإسماعيلي" لذلك فالقلعة الحمراء جددت عقده بعد وساطة المستشار تركي آل الشيخ وعشية يوم التجديد عرضته للبيع، حتى تمت أعارته لنادي كوبيون بالوسورا الفنلندي قبل أن ينتقل إلى الأهلي السعودي ومنه يعود لمصر عبر بوابة نادي بيراميدز.

 
وكما تعرض "السعيد" لسخط جمهور الإسماعيلي تعرض أيضًا لجمهور الأحمر لكن لم يذهب أحدًا إلى البيت ربما لأن قناعة "الأهلاوية" أن من يتركهم هو الخاسر، لكن الأهم أن "السعيد" أكمل مشواره في بيراميدز واستطاع تحقيق نجاحات فيها وكما سجل بقميص الأهلي في الإسماعيلي، سجل بقميص بيراميدز في الأهلي".


"السعيد" الذي يلقى كل الدعم من زوجته السيدة نسرين ويعيش مع أبناءه الثلاثة عمر وآدم وعلي حياة هادئة ويحرص على السفر الذي يهواه يدرك جيدًا طبيعة كرة القدم وطبيعة الجمهور، لذلك في إحدى حواراته يؤكد أنه لا يعادي أحد ويتمنى علاقة طيبة مع جماهير الأهلي والإسماعيلي فهو يحبهم كثيرًا، لكن في النهاية هذه حياتي ومستقبل أفكر فيه بالطريقة التي تناسبني خاصة أنني أفضل التدريب بعد الاعتزال.