مؤمن الجندي: هل أنت حر أم تحت السيطرة بلا أجرة؟

الفجر الرياضي

بوابة الفجر

في أيام تموج بالتناقضات تختلط فيها الحقيقة بالوهم، تقف فكرة "الضد" كمرآة عاكسة لواقع يشوبه الانجراف وراء القطيع.. أصبحت الأصوات الفردية تغيب وسط هدير الجماعات، وأضحت القيم التي كانت يومًا ما بوصلة حياتنا تُطمر تحت ركام الإشاعات والتهم الجاهزة.

لم تعد الحقيقة تبحث عن طريقها إلى النور؛ بل أصبحت ضحية سهلة للتقلبات العشوائية لآراء لم تنضج بعد، تُلقى على مسرح مواقع التواصل الاجتماعي! هنا، الكل قاضٍ وجلاد، يوزعون الاتهامات بلا دليل، كأنهم يحاكمون الهواء أو يدينون الفراغ.

لقد كنا أطفالًا نُغرس فينا قيم الصدق، العدالة، والتريث قبل الحكم على الآخرين، كنا نُعلَّم أن الحياة ليست بالأبيض والأسود، وأن الحقائق تتطلب البحث والتمحيص.. ولكن، في زمن أصبحت فيه "الشاشة" هي المربي الجديد، اختفت تلك المبادئ خلف ستار "اللايك" و"الشير"، وتحولت العقول إلى "ريموت كنترول" تُدار بضغطات أصابع خفية.

كم من شخصية قُتلت معنويًا بجرح كلمة عابرة؟ وكم من حياة انهارت بسبب إشاعة أُطلقت بلا رحمة؟ في هذا العالم الرقمي، لم تعد القيم سوى ذكريات عابرة، تُذَكرنا بحياة كانت فيها الكلمة تُقاس بميزان الحكمة، وليس بضغط زر.

عندما يتحكم في الجيل الجديد منطق السرعة لا العمق، والتبعية لا التفكير، يصبح "الضد" هو المخرج الوحيد لبعضهم! "الضد والسخرية" هنا لا يعني مواجهة الزيف، بل الاستسلام له، السير عكس التيار فقط لأن التيار الآخر يبدو مزدحمًا.

في أيام ماضية، عشنا مع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في حالة من الترقب والتشويق حول سبب وفاة أحمد رفعت لاعب نادي فيوتشر ومنتخب مصر -رحمة الله عليه-، وسط تساؤلات كثيرة وافتراضات غير مؤكدة! لكن إعلان النيابة العامة أخيرًا جاء ليضع حدًا لهذا الجدل، حيث أكدت أن حالته الصحية والوراثية كانت السبب المباشر في وفاته، فهل كل ما عشناه وما قيل كان مجرد "فنكوش"؟!.

حقيقة الزيف في عصر التحكم عن بعد

أما في جانب آخر، فقد شاهدنا كيف هاجمت السوشيال ميديا بعض الأسماء والوجوه، في حملات مكثفة، لتصبح النقاشات شبيهة بمشاهد قطيع يتحرك في اتجاه واحد دون تساؤل أو تريث! هل كانت هذه الحملات مجرد رد فعل عفوي أم أنها كانت مدبرة لصالح شخص معين؟

ولكن، هل يمكن أن يكون الضد بابًا للنجاة؟ نعم، إذا ما تعلمنا كيف نعيد بناء الجسور التي هدمتها منصات التحكم الجماعي! الضد الحقيقي ليس في العناد، بل في الوقوف بثبات أمام الزيف، في التريث قبل أن نحكم، وفي البحث عن الحقيقة وسط زحام التشويه! علينا أن نستعيد زمام الأمور من أيدي تلك "الأزرار"، أن نُعيد تعليم الجيل الجديد أن التفكير أسمى من التبعية، وأن الإنسان الحر هو من يصنع خياراته بقلبه وعقله معًا! 

في النهاية، تبقى الحقيقة هي الجسر الوحيد الذي يعبر بنا عبر زوابع الشائعات والكذب! لكن، هل سنظل دائمًا ننتظر الحقيقة ليكشفها لنا الواقع بعد فوات الأوان؟ أم أننا سنستمر في الانجراف وراء سراب “حملات السوشيال ميديا” نصدق من يخلق القصص ونسير خلفه دون تفكير، بل ونساعد في تربحه بالدولار تحت ركام السخرية والشائعات.. فهل أنت فعلًا حر أم تحت السيطرة لا أجرة؟

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا