ميسي.. والغرفة 201
خلال معسكر المنتخب الأرجنتيني في الدوحة، وفي صباح اليوم التالي لانتصار السيليستي على أستراليا في دور الـ16، استغرق أنخيل دي ماريا 10 ثوان بنظرات عميقة إلى زميله ليو ميسي خلال تناوله وجبة الإفطار مع بضع من زملائه، حينها قال أنخيل لأحد الصحفيين والذي تربطه علاقة قوية به: "ألم تلحظ أن ليو تغير؟ أنا أقول لك، لن تلحظ ذلك.. فأنا أعرفه جيدا.. حتى رقم غرفته، لا أظنه عن طريق الصدفة.
17 نوفمبر 2022
كانت الأعصاب مشدودة أكثر من أي وقت مضى، مراسل قناة Tyc الأرجنتينية على الهواء مباشرة يتحدث إلى المشاهدين وفي الخلفية حافلة المنتخب الأرجنتيني تتحرك ببطء نحو مدخل مقر إقامة السيلستي في الدوحة، وكان كلمات المراسل كالتالي:
"مقر منتخبنا الوطني هو الأكثر اختلافا بين كل أماكن إقامة المنتخبات المشاركة في كأس العالم، ربما يكون ذلك مدلولا للتركيز الزائد، أو أن الأرجنتينيين اعتادوا التقشف، لا نعرف، المهم أن كل أفراد بعثة المنتخب هم بالداخل الآن.. داخل جامعة قطر، مقر إقامتهم الدوحة".
لم يكن المراسل هو الوحيد الذي لفت أنظاره مكان إقامة بعثة الأرجنتين، حيث أن الصحفي الصيني إيد مايلون ذكر الأمر نفسه خلال مقال مطول له في صحيفة ذا أثلتيك، وأشار فيه إلى أن اختيار الجامعة القطرية كان متناقضا تماما مع الأماكن التي اختارتها بقية المنتخبات، فالغالبية العظمى منهم أختارت الإقامة في منتجعات وفنادق فخمة شٌيدت خصيصا من أجل المونديال.
لم يكن "الحرم الجامعي" متقشفا في الحقيقة، ولكنه كان يتسم بخلوه من أية إضافات تجعله يبدو مرفها، ولكن الأهم والذي جعل ليونيل سكالوني المدير الفني للأرجنتين أن اللاعبين جميعا يشعرون بالارتياح، حيث رأوا أن هذه الأجواء ستساعدهم على التركيز وأنهم هنا من أجل البطولة وليس لقضاء عطلة شتوية في أجواء دافئة.
كيف تغير ميسي؟
دي ماريا كان محقا في نظرته أن ليونيل لم يعد الشخص نفسه الذي كان متواجدا مع المنتخب قبل ذلك، على الرغم من أنه يتمتع بمكانة خاصة في الفريق – كالعادة – إلا أن ثمة تغيرات يكتشفها من يعرفه جيدا.
في الماضي كان أفراد طاولة ميسي الذين يتناولون معه وجبات الطعام معروفين بالاسم، ماسكيرانو ولوكاس بيليا وأنخيل دي ماريا وجونزالو هيجواين وسيرخيو أجويرو، أما إيكاردي فكان قد فشل في إقحام نفسه في هذه المجموعة من الأصدقاء عندما كان في صفوف المنتخب، حيث أنه وفقًا لصحيفة "ذا أثلتيك"، فكان ماورو معتقدا أن سمعته في أوروبا – آنذاك – قد تجعله يحظى بالمكانة نفسها في منتخب بلاده، ولكنه لم يبلغ مراده ولم يكن ضمن "مجموعة الأصدقاء الكبار"، لدرجة أن عدم تواجده في التشكيلة الرئيسية دائما تم ربطه بأنه لم يكن شخصا مفضل لـ "شلة ميسي" حينها.
نحن الآن في قطر وجميعهم علّقوا أحذيتهم إلا دي ماريا..
نجم يوفنتوس احتفظ بعلاقته القوية بـ ليو، ولكن الجديد هو أن ثمة مجموعة جديدة تكونت حول ميسي بدلا من هؤلاء المعتزلين.. تلك المجموعة كانت "المنتخب الأرجنتيني كله"
وهذا كان أول شيء يقصده دي ماريا في تحول شخصية ليو.
ردوريجو دي بول "من أسموه الحارس الشخصي لميسي"، ونيكولاس أوتاميندي وبابو جوميز أصبحوا أصدقاء ميسي، أما ليوناردو باريديس دعاه قائد المنتخب للعب أوراق "الكوتشينة"، وبالنسبة لإنزو فيرنانديز وأغلب عناصر الفريق فقد كانوا ضمن الملايين من جماهير ميسي في الماضي ثم أصبحوا أصدقاء له ولا يصدقون ما يعيشوه، فهم مستعدون الآن للموت من أجله
الشخصية
كان وضع ميسي في غرفة ملابس المنتخب الوطني الأجنتيني لا يتماشى مع قيمته العالمية حتى عندما ارتدى شارة القيادة، يقول صحفي "ذا أثلتيك" سام لي، أن ميسي كان خجولا ويميل للانطوائية، عندما يكون متأخرًا في النتيجة فلا تنتظر منه تحفيذك، وبالمناسبة.. هو لا يحتاج إلى شخص يحفذه.
ولكن التغير الأخير ظهرت معالمه قبل وخلال كوبا أمريكا 2021..
يقول دي ماريا خلال إحد اللقاءات التليفزيونية وقتها: أصبح ميسي يتحدث معنا مع بداية كل مباراة، وكان آخر لقاء أمام البرازيل مختلفا، لقد جد جنونه".
انتشر بعد فوز الأرجنتين على البرازيل في نهائي كوبا أمريكا فيديو لميسي في غرفة الملابس، يصطف اللاعبون جنبنا إلى جنب في شكل دائري ومعهم ميسي، وبدأ في إلقاء كلماته الأخيرة قبل بداية اللقاء قائلا:
"كلنا نعرف ما تعنيه مباراة الأرجنتين والبرازيل، فقط أشكركم يا رفاق على 45 يوما قضيناها معا، قلت لكم في يوم ميلادي أننا صنعنا مجموعة مذهلة، سافرنا وأكلنا وحجزنا في الفنادق والملاعب، 45 يوما دون أن نرى عائلاتنا، 45 يوما يا رفاق!! أنظروا إلى مارتينيز، رزقه الله بمولودة ولم يتمكن حتى من رؤيتها، لأننا لدينا هدف ونحن على بعد خطوة من تحقيقه"
"هذه النسخة من كوبا أمريكا كان لا بد أن تقام في الأرجنتين، ولكن إرادة الله أن تكون هنا في ماراكانا (ملعب البرازيل)، أراد الله ذلك لنفوز بها هنا يا رفاق ونأخذ الكأس من المنزل".
نعود إلى الدوحة، وأجرى الصحفي جوارا قصيرا مع ليو ميسي خلال المونديال، ولكن كان يدور في رأسه كلمات دي ماريا، وهذا ما لفت انتباهه إلى شيء جدير بالذكر.
يقول الصحفي إيد مايلون: "يا إلهي! ميسي كان يتحدث باللهجة الإسبانية في وقت قريب، وكان هذا مزعجا لكثير من الجماهير، اليوم يتحدث بالإسبانية بلكنة أرجنتينية!! هذا يٌنصف دي ماريا كثيرا ويجعله محقًا".
**
إذًا من الواضح أن دي ماريا محقا، فهو يعرف ميسي أكثر من أي شخص، الشخصية القيادية والعلاقة بين الزملاء، حتى ونحن لا نعرف ميسي بشكل شخصي، يمكننا أن نلحظ ذلك، انتقاده الحكام خلال المونديال، حديثه إلى أحد لاعبي هولندا الذي كان يتسم بالعنف بعد المباراة "إذهب يا أحمق"، استفزاز فان جال.. جوانب إيجابية وسلبية، ولكن بالتأكيد، هذا ليس ميسي الذي نعرفهّ
ماذا عن الغرفة 201؟
إن وصلت إلى هذه السطور فبالتأكيد أنت تبحث عن تفسير مع دي ماريا عن اختيار الغرفة 201، ولكن ما تحمله معاني رقم هذه الغرفة لا يدع مجالا للشك بأن ميسي كان متعمدا لهذا الاختيار.
عام 2013 كانت الانتخابات الأولى لبابا الفاتيكان منذ 6 قرون، كان حدثا استثنائيا استطاع فيه البابا فرانسيس أن يكون بابا الفاتيكان والذي يحظى بتقدير ديني كبير في كل مكان في العالم..
خلال الانتخابات أقام البابا فرانسيز – أرجنتيني الجنسية – في الغرفة 201، وكانت فأل حسن بالنسبة له كما قال لاحقا، بالإضافة إلى أنه شغوف بكرة القدم، ويتابع كأس العالم رغم انشغاله ومرضه، فهل تواجد البابا "الأرجنتيني" في هذه الغرفة كان له علاقة باختيار ميسي تحديدا لهذه الغرفة؟ لم يتحدث ميسي عن هذا الأمر حتى الآن، وهو الوحيد القادر على حسم الفضول الذي يحيط بعشاقه، ولكن ليس من المستبعد أن من أطلق على ميسي "بابا" أن يكون مهتما بتلك التفصيلة.