مؤمن الجندي يكتب: عندما ينطق الوجه
في رحلتنا مع البشر، نُبحر في بحار وجوههم، نغوص في أعماق نظراتهم، ونلتقط من تعابيرهم ما يعكس ألوان أرواحهم، الوجوه هي القصائد التي تكتبها الحياة على محيا الإنسان، والمرآة التي تعكس أصدق ما في داخله، لكن، كم مرة قرأنا قصيدةً مشوهة؟ وكم مرة انخدعنا بمرآة زائفة تخفي وراءها ما لا يُرى؟
ملامح الوجه تحمل الصدق كعباءة تُظهر ما يخفيه القلب، إلا في وجوه أولئك الذين يتقنون لعبة الأقنعة! هناك وجوه تُباغتك بتناقضها، شخص يتحدث إليك بابتسامة، لكن عينيه تحملان شيئًا من الغضب، أو ربما الخوف، وحينما تسأله سؤالًا بريئًا، تُفاجأ بتعابير وجه تتلوى، لا تكشف عن إجابة، بل تزرع في قلبك الريبة.
لم يمر سؤالي لمحمد الشناوي، حارس مرمى الأهلي، في المؤتمر الصحفي قبيل مواجهة سيراميكا كليوباترا بنصف نهائي بطولة كأس السوبر المصري 2024 الذي أقيم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، مرور الكرام! لقد أصبح "تريند" في مصر يتناوله جمهور "السوشيال ميديا" وبرامج التوك شو الرياضي، بعد أن برق لي الحارس بعينين تحملان أكثر مما ينطقه اللسان، ثم طلب استيضاح السؤال مما اضطرني إلى شرحه بإسهاب، وجاء رده بعد الكلمات التقليدية: "مش عاوز الموضوع ده يتفتح تاني"!، فعرفت أن الشناوي من القلوب الطيبة التي يكشف وجهها ما في داخله.
كان السؤال بسيطًا، لكنه لمس وترًا حساسًا في قلب الحقيقة! حاول أن يُخفي ما يدور في داخله، لكن وجهه انكشف، وتعابيره خانته.. بدا وكأنه يريد أن ينقل الهجوم الجماهيري إليّ -وهو ما حدث-، أن يجعلني المتهم في أعين المشاهدين! ومع ذلك، أثبتت الأيام أن السؤال كان مهنيًا بامتياز، وأن النقطة التي أثرتها كانت جذرًا لمشاكل داخل الملعب وخارجه، كان البعض يرفض الاعتراف بها، وهذا هو طبيعة عملنا أن نستخرج الحقيقة من المصدر نفسه ليس من وحي خيالنا.
الوجوه الحقيقية لا تخشى المواجهة، ولا تُجيد الاختباء! هي وجوه تحمل الصدق في قسماتها، تبتسم فتُشرق أرواحها، وتعبس فتُظهر ما يُثقِل قلوبها، أما أولئك الذين يهربون من الأسئلة، فإنهم يعيشون في صراع دائم مع أنفسهم، لقد هرب الشناوي من سؤالي ولم يعبر عما يدور في خاطره وهو خطأ! وهاجمني الجمهور دفاعًا عن لاعبه وهذا حقه، لكن لماذا يهاجم الجمهور حارسه الآن بعد اكتشاف الأمر الذي طرحته؟ وباتت المطالبات بجلوسه احتياطيًا الأبرز لدى الجمهور.. وسيجلس الشناوي هذه المرة مجبرًا لأول مرة لمصطفى شوبير الذي سيكون الحارس الأساسي، مما قد يزيد من تعابير وجهه الفترة المقبلة!
في النهاية، الحياة ميدان مفتوح للوجوه الحقيقية، فلا تصمد الأقنعة إلا للحظات عابرة قبل أن تُسقطها نظرة فاحصة أو كلمة صادقة! في عالم مليء بالوجوه، لا تكن ممن يُحاولون تغطية الحقائق، فالصدق وحده هو الوجه الذي لا يُنسى، وهو المرآة التي تعكس النقاء مهما اشتدت الرياح من حولها.