شريف إكرامي.."الدبلوماسي" المُتخصص في شؤون حراسة المرمى
يحتفل شريف إكرامي، حارس مرمي النادي الأهلي ومنتخب مصر، اليوم الجمعة، بعيد ميلاد السابع والثلاثين، حيث يُعد إكرامي من أبرز حراس المرمي في تاريخ القلعة الحمراء ومنتخب الساجدين، وتُوج خلال مسيرته الكبيرة بالكثير من الألقاب سواء على الصعيد المحلي أو القاري.
موسم رياضيًا ساخن، المنافسة على أشدها بين الأهلى والزمالك وفارق النقاط ليس بكبير، الفرق الصاعدة مثل "البلاستيك" تمثل علامة استفهام للكبار، وأيمن شوقي يتألق بهدفًا تلو الآخر محققًا مسيرة تاريخية له، صحيح الأهلى أقوى هجوم بثلاثون هدف ولكن الزمالك أقوى دفاع لأنه لم يستقبل في شباكه سوى 8 أهداف ولذلك استطاع حسم الدوري بفارق نقطتين فقط عن الشياطين الحُمر.
وقتها وأتحدث عن عام 1983 كان حارس المرمى العملاق "إكرامي الشحات" قد قضي 13 عامًا في عرين الأهلى يحصد البطولة تلو الأخرى، ووقتها وفي ليلة صيفية تحديدًا 10 يوليو من هذا العام المزدحم بالأحداث هرول إلى زوجته التي كانت تضع مولودها الذي اسمته "شريف" ليصبح لـ"إكرامي" ولدين هما أحمد وشريف.
من يهرول الملايين لالتقاط الصور معهم يراهم الطفل يجلسون في بيته، يداعبه هذا النجم المشهور وينادي آخر بـ"عمو"، يراهم بعيدًا عن الملاعب، مزاح، ضحكات، ربما التقط كلمة من والده يحكي فيها عن ضيقه من بعض زملاءه في الفريق أو مدير فني لا يقتنع به، ناهيك عن آلاف الصور لأبيه هو يحصد الجوائز، أليس كفيلًا كل هذا بأن يخلق هذا الشغف لدي الولد الصغير بـ"كرة القدم" ولأنه يرى أبيه عظيمًا مثلنا تمامًا لم يقتنع إلا بلعب كرة القدم لكنه رفض في البداية أن يقف حارس مرمى لُيمسك الكرة لقد أراد أن يكون هو المُسدد لها.
القرار بدأ طفوليًا، الطفل يذهب مع أخيه الأكبر للنادي الأهلى، يراه يلعب وهو لا، يسأل نفسه ما الفرق وماذا أحتاج لأصبح كأخي، علي التقدم خطوة، وفي الوقت الذي قرر فيه "شريف" أن يدخل اختبارات الناشئين في الأهلى في 1991 كان أبيه قد أصبح مدرب لحراس مرمى نادي الوحدة بالسعودية بعد اعتزاله.
كرة القدم تختار من يمثلها وفي أي مركز تشاء هي، لذلك حين قدّم "شريف" كـ"مهاجم" مرتين في اختبارات النادي رسب لكنه حين تقدم في مركز حارس مرمى نجح والأغرب أن مسؤولي الاختبارات لم يعرفوه إلا حين تم تسجيل اسمه في كشف المقبولين وقتها سأله المدير الإداري "انت ابن وحش إفريقيا مقولتش ليه" فرد اللاعب الجديد ببراءة "وأقولك ليه"!
المسارات متعددة وأهواء الشباب لا تستثني أحدًا وصُنع رجل ناجح يحتاج لكثير من الصفات لكنها لا تأتيك على طبق من فضة فالاختبار تلو الآخر وحده القادر على صهرك حتى تُصبح حديدًا لا تلين، لكن المسيرة لازالت طويلة نحن الآن في عام 2004، الولد الصغير أثبت كفاءة وتم تصعيده بجوار أخيه، يُخبره المدرب أنه سيلعب أساسي في أول مباراة له على حساب شقيقه، يقع بين ثنائية العواطف والعمل الإحترافي فيختار الأخير لكن هذا لم يمنعه من التأثر، يقول بعد سنوات "هذا موقف لن أنساه" خاصة أن تلك كانت آخر سنوات أخيه في النادي ومن حقه لعب كل المباريات ولكي يتخلص من هذا الذنب بعد تلك المباراة ذهب لمدربه وبنبرة امتزجت فيها الطفولية بالعناد والمراهقة "لن ألعب على حساب أخي في مباراة الزمالك المقبلة" ولأن المُدرب أدرك ما وراء الكلمة وافق.
وخلال تلك الفترة لعب مع منتخب مصر للشباب في كأس العالم 2001 ثم أصبح الحارس الأساسي للبطولة التالية 2003 والتي فاز من خلالها بجائزة أفضل حارس مرمى في البطولة، وهو حاليًا من الحراس الأساسيين للمنتخب الأول، وكانت أول مشاركة له مع المنتخب الأول كانت ضد منتخب الأوروغواي في 16 أغسطس 2006 بالإسكندرية.
حين يصف شريف إكرامي تجربته الرياضية ويقول أن شعار أي رياضي ناجح هو الاستثمار في النفس لذلك فقد اعتاد على ذلك، ولأن الصحة هي الثروة الكبرى فقد اعتاد على تناول الطعام الصحي وعشق المشويات والخضار سوتيه وعلم ذلك لأولاده ليكون أسلوب حياتهم في الطعام، بجانب "الجيم" الذي يقضي فيه معظم وقته خارج المباريات، لابد أن نعرف أن تلك الخبرة ذات الـ"لمسة الأجنبية" لم تكن إلا نتاج تجربته الاحترافية التي بدأت في سن الثانية والعشرين باللعب لفريق أنقرة لمدة عام ثم فينورد الهولندي لعام آخر.
لم تكن فرصة فقط لحارس مرمى على وشك أن يتولى مسؤولية عرين أشهر الأندية الإفريقية بعد أشهر قليلة، بل فرصة أيضًا لخريج الاقتصاد والعلوم السياسية قد يطلع على تجربة الشعوب الأخرى ويعرف كيف يفكرون ولما لا فالدبلوماسي الناجح هو من يُدرك تفاعلات الشعوب وليس هناك أفضل من مدرجات كرة القدم لفهم عقلية أي مواطن.
عاد شريف إكرامي إذن لعرين الأهلي بعد فترة بسيطة في نادي الجونة، واستقر في النادي الأهلي لعقد من الزمان حتى الآن، وقد حصد جوائز كثيرة محلية وإفريقية وعالمية بل وعاصر جيل الأهلى الذهبي الذي وصل لليابان وحصد الثالث عالميًا.
"شريف" الدبوماسي أذكى مما يتوقع كثيرون، وصمته عن بعض إساءات الجمهور كعادة كل جماهير الفرق الكبيرة ليس إلا عشقًا للنادي من جانب ولكن من جانب آخر فإن اللاعب الذي يتوقع له أن يكون عضو في مجلس إدارة الأهلي ثم رئيسًا لناديه يعرف جيدًا أن الطريق لن يكون مفروش بالورود إن خسر الجماهير، كما يظهر ذلك أيضًا في تأكيده أن النادي الأهلى هو من صنعه وتلك حقيقة ولا شك.
والتأكيد على ذكاء "شريف إكرامي" ليس فقط لنجاحه في حراسة عرين نادي لا يعترف بالواسطة أو "أبناء العاملين" وليس فقط لحصوله على شهادة عليا من أرقى الكليات المصرية بل لأنه في وسط ذلك الزخم من الأحداث أدرك أن لقلبه عليه حق وطالما انتعش قلبه سيكون هذا سبب كاف لكي يذهب التمرينة بابتسامة تُمكنه من التركيز.
ولأنه "محظوظ" فلم تشأ الحياة أن تهبه للملاعب فقط فقد ذاق حلاوة الحب، الحب الأول الذي لم يعقبه آخر، في السابعة عشر من عمره تعرف على السيدة رنا نعمان، وبكل بدايات العشق عاش حياته معها حتى تزوجها في 2005 وأثمر هذا الزواج عن ولد وبنت "آسيا وياسين" الذي يلعب كرة القدم كحارس مرمى مُجددًا مسيرة الجد والأب والعم.
في البيت شريف إكرامي بارًا بوالديه ويحمل جميل أمه حين قرر في لحظة نزق أن يترك كرة القدم ويحترف احدى الألعاب الفردية، لكن السيدة والدته اعادته لكرة القدم بـ"العافية"، فهي أيضا رياضية ولاعبة منتخب مصر في كرة السلة وتعرف جيدا كل فترات التوتر والضغط التي يعيشها اللاعب، وبالرغم من ذلك فإنها لا تستطيع أن تشاهد مباراة له لا في الاستاد أو التلفزيون.
يتبقى من مسيرة "شريف" أن نذكر أنه يحب لعبة التنس ويمارسها ويعشق ركوب الدراجات وصديقه المخلص هو كلبه "ليو".