كلوب وليفربول.. مشرط جراح يصنع التاريخ
استطاع الألماني يورجن كلوب المدير الفني لنادي ليفربول الإنجليزي استعادة بريق الريدز وانتشاله من الكبوة التي تعرض لها على مدار سنوات وذلك كما حدث مع بوروسيا دورتموند الألماني في 2008.
في أكتوبر 2015، وقع كلوب (52 عاماً) عقده مع ليفربول ليخلف المدرب بريندان
رودجرز الذي أقيل بسبب سوء نتائج الفريق في بداية الموسم نفسه 2015-2016.
وخلال الفترة من 2008 إلى 2015، قلب كلوب الأوضاع رأساً على عقب في دورتموند
وقاد الفريق ليصبح من أبرز الفرق ليس في ألمانيا فحسب وإنما في أوروبا بأكملها.
وكانت شخصية كلوب ومهارته في تحفيز اللاعبين وحماسه وميله لأسلوب اللعب الذي
يعتمد على الضغط الهجومي الجذاب خلال الفترات التي قضاها في قيادة دورتموند وماينز
من الأسباب التي جعلته نجماً مفضلاً لدى الجماهير في ألمانيا وخارجها.
ولنفس الأسباب، أصبح كلوب معشوقاً لجماهير ليفربول بعدما قاد رحلة الفريق للخروج
من دوامة الإخفاقات التي حاصرته لسنوات طويلة وإعادته إلى منصات التتويج بالبطولات
محلياً وأوروبيا.
وبدأ كلوب، لاعب الوسط السابق لفريق ماينز، مسيرته التدريبية في فبراير (شباط)
2001، وقاد الفريق للصعود إلى دوري الدرجة الأولى (بوندسليغا) للمرة الأولى في
2004 كما قاد الفريق في العام التالي للتأهل إلى كأس الاتحاد الأوروبي (الدوري الأوروبي
حالياً).
ومع قيادته ماينز إلى "البوندسليجا" دون وجود نجوم كبار في صفوف الفريق
أو ميزانية كبيرة، أصبح كلوب هدفاً لنادي دورتموند الذي أفلت من الإفلاس في ذلك الوقت
بعدما كان على وشك إعلان إفلاسه بسبب الإنفاق المفرط لتدعيم صفوفه في الطريق للفوز
بلقب البوندسليجا في عامي 1995 و1996 ولقب دوري أبطال أوروبا عام 1997.
وتحت قيادة كلوب، بزغ نجم العديد من لاعبي دورتموند مثل ماريو جوتزه وروبرت
ليفاندوفسكي وماركو ريوس (الذي استقدمه من بروسيا مونشنجلادباخ) وإلكاي جوندوجان وماتس
هوملز.
وبهر كلوب عالم كرة القدم بأداء الفريق الذي يميل للضغط الشديد على المنافس
والكرة الهجومية وقاد الفريق للفوز بلقب البوندسليجا في 2011 ثم لأول ثنائية (دوري
وكأس ألمانيا) في الموسم التالي ثم لنهائي دوري أبطال أوروبا في 2013 ولكنه خسر النهائي
1-2 أمام بايرن ميونخ على إستاد "ويمبلي" بالعاصمة البريطانية لندن.
وساهمت هذه المباراة النهائية في زيادة الاهتمام الإنجليزي بكلوب الذي أدرك
في نهاية موسم 2014-2015 أنه لم يعد الرجل المناسب لقيادة دورتموند، إذ أنهى الفريق
الدور الأول لـ"البوندسليجا" في قاع جدول المسابقة وأنهى كلوب مسيرته الرائعة
مع الفريق بالوصول لنهائي كأس ألمانيا ولكنه خسر في النهائي أمام فولفسبورج كما حجز
مكانه في مسابقة الدوري الأوروبي هذا الموسم.
وتولى كلوب القيادة الفنية لليفربول وسط أجواء عصيبة بدأت في الموسم السابق
لتعيينه مدرباً للفريق، إذ رحل المهاجم الأوروجوياني لويس سواريز نجم الفريق الأبرز
إلى برشلونة الإسباني في صيف 2014 ثم غادر النجم الصاعد رحيم ستيرلينج لمانشستر سيتي
في صيف 2015 الذي شهد أيضاً انتهاء مشوار ستيفن جيرارد أيقونة ليفربول مع الفريق.
وتم تعيين كلوب مدرباً لليفربول عندما كان الفريق يحتل المركز العاشر في ترتيب
الدوري الإنجليزي آنذاك برصيد 12 نقطة بعد مرور ثماني مراحل على انطلاق المسابقة.
وقررت إدارة النادي التعاقد مع كلوب لإعادة الأمجاد للفريق الباحث عن استعادة
لقب الدوري الإنجليزي الغائب عنه منذ موسم 1989-1990.
وخلال أول مؤتمر صحفي له بعد تعيينه مدرباً لليفربول، وصف كلوب فريقه الجديد
قائلاً: "إنه ليس نادياً عادياً، بل إنه يتمتع بطبيعة خاصة".
وفي المؤتمر ذاته، أطلق كلوب على نفسه لقب (نورمال وان) في محاكاة ساخرة للقب
(سبيشيال وان)، الذي أطلقه المدرب البرتغالي المثير للجدل جوزيه مورينيو على نفسه عام
2004.
ورغم إخفاق كلوب في قيادة ليفربول للحصول على أحد المراكز الأربعة الأولى في
الدوري الإنجليزي والمؤهلة لبطولة دوري أبطال أوروبا خلال موسمه الأول بالبطولة العريقة،
لكنه قاد الفريق بعد أربعة أشهر فقط من تعيينه للصعود إلى نهائي كأس رابطة المحترفين
الإنجليزية لكنه خسر بركلات الترجيح أمام مانشستر سيتي.
كما قاد كلوب ليفربول للصعود إلى أول نهائي بطولة قارية للفريق منذ عام
2007 بعدما تأهل للمباراة النهائية لبطولة الدوري الأوروبي، لكن سوء الحظ واصل ملاحقته
للفريق بعدما خسر 1-3 أمام إشبيلية الإسباني.
وواصل ليفربول تقدمه تحت قيادة كلوب، بعدما حصل على المركز الرابع في الدوري
الإنجليزي موسم 2016-2017 برصيد 76 نقطة ليعود للمشاركة في دوري الأبطال مجدداً، قبل
أن يتعاقد في يونيو (حزيران) عام 2017 مع النجم الدولي المصري محمد صلاح من فريق روما
الإيطالي.
وأعاد كلوب اكتشاف محمد صلاح الذي عانى من تجربة غير ناجحة في الدوري الإنجليزي
مع فريقه السابق تشيلسي.
وتمكن كلوب من توظيف إمكانيات صلاح بشكل صحيح واستغلال سرعاته ولياقته البدنية
العالية لخدمة خطة الفريق، ليلعب المدرب الألماني دوراً بارزاً في حصول (الفرعون المصري)
على جائزة أفضل لاعب بإنجلترا من رابطة اللاعبين المحترفين موسم 2017-2018 بالإضافة
لنيله جائزة هداف الدوري الإنجليزي برصيد 32 هدفاً بنفس الموسم.
وظل ليفربول خلال موسم 2017-2018 بعيداً عن دائرة المنافسة على لقب الدوري الإنجليزي،
إذ أنهى الموسم في المركز الرابع برصيد 75 نقطة، لكن كلوب أدرك أن السبب الأساسي وراء
ذلك يكمن في ضعف خط دفاعه، الأمر الذي دفعه للتعاقد مع المدافع الهولندي فيرغيل فان
دايك لاعب ساوثهمبتون الإنجليزي في يناير 2018 مقابل 75 مليون جنيه إسترليني ليصبح
أغلى مدافع في العالم في ذلك الوقت.
وساهم اختيار كلوب الناجح لفان دايك في إعادة الاتزان لدفاع ليفربول، الذي تأهل
لنهائي دوري الأبطال عام 2018 للمرة الأولى منذ 11 عاماً، حينما واجه ريال مدريد الإسباني
في المباراة النهائية للمسابقة، لكن ظل سوء الحظ ملازماً للفريق الإنجليزي ومدربه في
المباريات النهائية، بعدما خسر 1-3 أمام الفريق "الملكي".
ومع مطلع الموسم الرابع لكلوب مع ليفربول، كان المدرب الألماني على علم بجميع
مواطن الضعف لدى الفريق، الأمر الذي دفع إدارة النادي لتنفيذ مطالبه بالتعاقد مع الحارس
البرازيلي أليسون بيكر ولاعبي وسط الملعب الغيني نابي كيتا والبرازيلي فابينيو والجناح
السويسري شيردان شاكيري خلال فترة الانتقالات الصيفية لموسم 2018-2019.
وقدم ليفربول أداء مميزاً خلال مشواره بالدوري الإنجليزي في الموسم الماضي،
إذ ظل متربعاً على الصدارة منذ بداية الموسم حتى فترة أعياد الميلاد (الكريسماس) لكن
نتائجه اهتزت فيما بعد عقب فقدانه عدد من النقاط السهلة، لينهي البطولة في المركز الثاني
برصيد 97 بفارق نقطة واحدة خلف مانشستر سيتي، الذي توج باللقب.
ورغم فشله في الفوز بالبطولة، حقق ليفربول ثالث أعلى رصيد من النقاط لأي ناد
في تاريخ الدوري الإنجليزي، كما بات صاحب أعلى نقاط لفريق فشل في الفوز بلقب البطولة.
وسرعان ما أعاد كلوب البسمة لجماهير ليفربول المحبطة، بعدما قاد الفريق للفوز
بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة في تاريخه والأولى منذ 14 عاماً، بعد مسيرة حافلة
أطاح خلالها بالعديد من أندية الصفوة بـ"القارة العجوز" ليفوز كلوب بلقب
المسابقة القارية للمرة الأولى في مسيرته التدريبية.
وواصل كلوب نجاحاته مع ليفربول بعدما توج معه بلقب كأس السوبر الأوروبي بالفوز
بركلات الترجيح على تشيلسي الإنجليزي في أغسطس الماضي.
وساهمت نجاحات كلوب مع ليفربول في حصوله على جائزة أفضل مدرب في العالم لعام
2019 باستفتاء الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" كأفضل مدرب في العام الحالي
متفوقاً على المرشحين الآخرين مدرب مانشستر سيتي الإسباني بيب غوارديولا، ومدرب توتنهام
السابق الأرجنتيني ماوريتسيو بوتشيتينو.
ويعتبر الفوز بالدوري الإنجليزي هو الشغل الشاغل لكلوب حالياً، إذ يرغب في الاستفادة
من الانطلاقة الرائعة للفريق بالبطولة خلال الموسم الحالي، الذي لم يبرم خلاله أي صفقات
من العيار الثقيل في فترة الانتقالات الصيفية على عكس الموسم الماضي.
ولكن المهمة والهدف الأقرب لكلوب حالياً سيكون الفوز بلقب كأس العالم للأندية
في النسخة خلال الأيام المقبلة ليكون الأول لليفربول في هذه البطولة بعدما فشل في مشاركته
الوحيدة السابقة بالهزيمة أمام ساو باولو البرازيلي 0-1 في المباراة النهائية للبطولة.
ويرغب كلوب في الفوز باللقب ليكون تتويجاً مثالياً لعام استثنائي له مع ليفربول
وكذلك على المستوى الشخصي.